روائع مختارة | روضة الدعاة | الدعاة.. أئمة وأعلام | رفاعة الطهطاوي.. البذرة الأولى لشجرة التغريب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > الدعاة.. أئمة وأعلام > رفاعة الطهطاوي.. البذرة الأولى لشجرة التغريب


  رفاعة الطهطاوي.. البذرة الأولى لشجرة التغريب
     عدد مرات المشاهدة: 5331        عدد مرات الإرسال: 0

رفاعة الطهطاوي، إمام البعثة المصرية إلى فرنسا وواعظها، الذي أصبح بين عشية وضحاها بوقًا من أبواق هجمات التغريب والانبهار بالحضارة الغربية، فكيف تحول الأزهري الشرعي إلى داعية للتغريب؟

رفاعة الطهطاوي.. المولد والنشأة

وُلد رفاعة رافع الطهطاوي في 15 أكتوبر 1801م، بمدينة طهطا إحدى مدن محافظة سوهاج بصعيد مصر، ونشأ في أسرة كريمة الأصل شريفة النسب، فأبوه ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب[1]، وأمه فاطمة بنت الشيخ أحمد الفرغلي، ينتهي نسبها إلى قبيلة الخزرج الأنصارية.

لقي رفاعة عناية من أبيه؛ فحفظ القرآن الكريم، وبعد وفاة والده رجع إلى موطنه طهطا، ووجد من أخواله اهتمامًا كبيرًا حيث كانت زاخرة بالشيوخ والعلماء، فحفظ على أيديهم المتون التي كانت متداولة في هذا العصر، وقرأ عليهم شيئًا من الفقه والنحو.

سافر رفاعة إلى القاهرة، وهناك التحق وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817م[2]، وشملت دراسته في الأزهر الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف... وغير ذلك.

نقطة التحول في حياة الطهطاوي

وبعد تلك السنوات التي قضاها رفاعة الطهطاوي في طلب العلم، ودراسة الشريعة، أرسلته الحكومة المصرية إلى فرنسا مع البعثات التغريبية التي نقلت الحضارة الغربية الغثّ منها قبل السمين، فخرج في الأصل إمامًا للصلاة والوعظ مع البعثة، ولكنها كانت نقطة التحول وبداية مرحلة من جهوده المناهضة للشريعة.

 ولما عاد إلى مصر وَلِي رئاسة الترجمة في المدرسة الطبية، وأنشأ جريدة "الوقائع المصرية"، وألف وترجم عن الفرنسية كتبًا كثيرة، وأسس مدرسة الألسن وعمل ناظرها، وهي المدرسة التي (أوحى له الفرنسيون بإنشائها، والتي كانت مركزًا لبث الحضارة الغربية بين طلبتنا باسم العلم والثقافة، عندما استقدمت مصر أساتذة من فرنسا؛ لتدريس المواد في تلك المدرسة التي شوهت حضارة الإسلام، وبذلك حقق الفصل بين الأزهر من جهة، وعلوم العصر من جهة ثانية، وأحدث انقسامًا بين النخبة التي يرى أطرافها نقائض لبعضهما)[3].

 ولقاء انضوائه تحت لواء الحضارة الغربية، فقد رضي محمد علي ومعظم أبنائه الولاة عن الشيخ رفاعة الطهطاوي، فقد بلغت ثروته يوم وفاته ألف وستمائة فدان غير العقارات، وهذه ثروته كما ذكرها علي مبارك باشا في خططه، فقد أهدى له إبراهيم باشا حديقة نادرة المثال في "الخانقاه"، وهي مدينة تبلغ 36 فدانًا، كما أهداه محمد علي 250 فدانًا بمدينة طهطا، وأهداه الخديو سعيد 200 فدانًا، وأهداه الخديو إسماعيل 250 فدانًا، بينما اشترى الطهطاوي نفسه 900 فدانًا، فبلغ جميع ما في ملكه إلى حين وفاته 1600 فدان، غير ما شراه من العقارات العديدة في بلده طهطا وفي القاهرة، فماذا قدم الطهطاوي حتى يخلع عليه هؤلاء الولاة هذه الأموال والأراضي؟

 جهود رفاعة الطهطاوي في مناهضة الشريعة

رائد الإصلاح والتنوير كما يطلق عليه مؤيدوه، كان الثغرة الأولى التي نفذ منها الغربيون إلى عالمنا الإسلامي، فكما يقول المستشرق "جب": (كانت المصادر الأولى التي أخذ الفكر الأوربي يشع منها هي المدار المهنية التي أنشأها محمد علي، والبعثات العلمية التي أرسلها إلى أوربا، ويذكر أن منها مدرسة الألسن التي كان يشرف عليها العالم "الفذُّ" رفاعة الطهطاوي، وهو تلميذ جومار ألبار)[4].

 أما ما يتعلق بإعجابه الهائل بزيف الحضارة الغربية، فيقول في كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز": (والغالب أن الجلوس للنساء، ولا يجلس أحد من الرجال إلا إذا اكتفى النساء، وإذا دخلت امرأة على أهل المجلس ولم يكن ثَمَّ كرسي خالٍ قام لها رجل وأجلسها، ولا تقوم لها امرأة لتجلسها، فالأنثى دائمًا في هذه المجالس معظمة أكثر من الرجل، ثم إن الإنسان إذا دخل بيت صاحبه؛ فإنه يجب عليه أن يحيي صاحبة البيت قبل صاحبه ولو كبر مقامه ما أمكن، فدرجته بعد زوجته أو نساء بيته)[5].

 ويقول في وصفه لحال المراقص في باريس، ولا أدري ما حاجة الواعظ والإمام فضلًا عن غيره من المسلمين في دخول مثل تلك الأماكن: (فالرقص في باريس دائمًا غير خارج عن قوانين الحياء، بخلاف الرقص في أرض مصر فإنه من خصوصيات النساء؛ لأنه لتهييج الشهوات، أما في باريس فإنه لا يُشم منه رائحة العهر أبدًا! وكل إنسان يعزم امرأة يرقص معها، فإذا فرغ الرقص عزمها آخر للرقصة الثانية، وهكذا، وسواء أكان يعرفها أو لا، وتفرح النساء بكثرة الراغبين في الرقص معهن)[6].

 ثم يسهب في وصف نوع الرقصات وشكلها؛ فيقول: (وقد يقع في الرقص رقصة مخصوصة؛ بأن يرقص الإنسان ويده في خاصرة من ترقص معه، وأغلب الأوقات يمسكها بيده)[7].

 وهنا يعلق الدكتور العفاني قائلًا: (وهذا الكلام يوحي لقارئه بدلالات؛ نذكر منها اثنتين:

 1- أن الأخلاق ليست مرتبطة بالدين، وهي فكرة انقدحت في ذهن الشيخ، لكنه لم يستطع أن يعبر عنها بجلاء، فها هو المجتمع يمارس ألوان الدياثة التي لا يرضاها الدين طبعًا، ولكنها مع ذلك ليست خارجة عن قوانين الحياء، ولا يُشم منها رائحة العهر، حتى قيل صراحة: إن الحجاب وسيلة لستر الفواحش، وأن التبرج دليل على الشرف والبراءة، ومن ثَمَّ فلا علاقة بين الدين والأخلاق.

 2- أن هذا المجتمع الديوث يكرم المرأة ويحترمها، وفي المقابل نرى المجتمع الإسلامي عنده يحافظ على العرض ولكنه يحتقر المرأة، ويصل إلى المفهوم الذي وجد في أوربا نفسه؛ وهو أن حقوق المرأة مرتبطة بتحررها من الدين، فما لم يُنبذ الدين فلن تحصل على هذه الحقوق)[8].

 دفاعه عن قواعد الحضارة الغربية الباطلة

فهو يقول في أحد مؤلفاته، محاولًا تلبيس تلك القواعد العقلية الاعتزالية الغربية لباس الشرع: (ومن زاول علم أصول الفقه، وفقه ما اشتمل عليه من الضوابط والقواعد؛ جزم بأن جميع الاستنباطات العقلية التي وصلت عقول أهالي باقي الأمم المتمدنة إليها وجعلوها أساسًا لوضع قوانين تمدنهم وأحكامهم؛ قلَّ أن تخرج عن تلك الأصول التي بُنيت عليها الفروع الفقهية التي عليها مدار المعاملات، فما يُسمى عندنا بعلم أصول الفقه، يشبه ما يُسمى عندهم بالحقوق الطبيعية أو النواميس الفطرية، وهي عبارة عن قواعد عقلية تحسينًا وتقبيحًا يؤسسون عليها أحكام المدنية.

 وما نسميه العدل والإحسان يعبرون عنه بالحرية والتسوية، وما يتمسك به أهل الإسلام من محبة الدين والتولع بحمايته مما يفضلون به عن سائر الأمم القوة والمنعة يسمونه محبة الوطن)[9].

 وكان لتلك الدعوى آثار وتلاميذ يحملونها؛ ومنهم محمد عثمان جلال لترى موجة عاتية من موجات التغريب، فقد كانت أبرز آثاره الأدبية ترجمات لبعض المؤلفات الفرنسية ذات الشهرة، مثل: "بول وفرجيني"، و"خرافات لافونتين" وبعض "ملاهي موليير"، (والأمر الذي يجب التنويه به في عمله هذا ليس هو فكر الترجمة في ذاتها، بل الروح التجديدية التي تكمن وراءها، فقد ترجم "لافونتين" إلى شعر سهل لا تصنع فيه ولا رهق.

 إلا أنه حين ترجم "ملاهي موليير" كتبها بلهجة العامة في مصر، ولم يكن الوقت قد حان بعد للإقدام على مثل هذا العمل الجريء، غير أن ما تجلى في تلك الخطوة من انفكاك تام من أسر الماضي كان دليلًا على روح العصر، فقد قال الخديو إسماعيل: "مصر أصبحت قطعة من أوربا"؛ ولذا كان لا بد للأدب المصري من أن يعبر عن استقلاله عن التقاليد الآسيوية والإفريقية)[10].

 رفاعة الطهطاوي والمرأة المسلمة

وكعادة دعاة التغريب والانحلال تحت مسمى التنوير والحداثة، ينفثون سمومهم من أجل تحرير المرأة ليس من الظلم الذي يدعونه، ولكن من كل حياء إسلامي رفيع؛ ولذا فقد نالت المرأة من كتاباته الكثير، فقد عاد الطهطاوي من فرنسا ليقول بملء فيه: (إن السفور والاختلاط ليس داعيًا إلى الفساد)[11]، ويُبرر لدعوته ذلك بالاقتداء بالفرنسيين حتى في إنشاء المسارح والمراقص، وضمَّن ذلك كتابين: "تلخيص الإبريز في تلخيص باريز"، وكتاب "المرشد الأمين".

 العوامل المؤثرة في تكوينه الفكري

وعن هذا يخبرنا الأستاذ سالم مبارك في كتابه "اللغة العربية.. التحديات والمواجهة"، فيقول عن رفاعة الطهطاوي: (ذكيًّا نعم، نابهًا بين أقرانه نعم، محبًّا للعلم نعم، ولكنه مع ذلك في الخامسة والعشرين من العمر... غريرًا، طري العود، جاء من أقصى الصعيد حيث البؤس والضنك إلى قلب باريس بحدائقها وميادينها ومباهجها.

 وتم تسليمه إلى أخطر مستشرق وأدهاهم، إنه البارون الفرنسي "سلفستر دي ساسي"، فتنوه وجعلوه يشاهد أروع المحافل التي تتألق أنوارها، فتتألق معها مفاتن النساء، انتزعوه من بؤس الصعيد وأزقتها المخربة وقضى في باريس 6 سنوات، تعلم فيها الفرنسية، ودرس التاريخ، والجغرافيا، والفلسفة والآداب الفرنسية، وقرأ مؤلفات "فولتير"، و"جان جاك روسو"، و"مونتسكيو"، وتعلم فن العسكرية, والرياضيات.

 كيف يمكن لست سنوات أن تلم هذه العلوم التي شابت لها نواصي الرجال إلا أن تكون خطفًا، وأن يكون ما ألفه سطوًا على كتب، حتى مدرسة الألسن التي أنشأها لم تكن من بنات عبقريته بل بإيعاز ممن درَّبوه هناك، وهذه المدرسة أحدثت صدعًا في ثقافة الأمة وقسمتها إلى شطرين: الأزهر في ناحية, ومدرسة الألسن في ناحية, والوظائف طبعًا تكون للأخيرة حيث يدرس فيها المستشرقون)[12].

 وفاة رفاعة الطهطاوي

انزوى رفاعة الطهطاوي في آخر حياته عن الساحة، وترك مكان الصدارة الذي ظل يشغله طيلة خمسين سنة يترجم علوم وأفكار أوربا والقوانين الوضعية ويرأس تحرير جريدة "الوقائع المصرية"، ويكتب المقالات ويؤلف الكتب ويقنن الأفكار، حتى وافته المنية في 1 ربيع الآخر سنة 1289هـ/1873م، بعد أن قام بالدور الأول في طمس معالم الحضارة الإسلامية وتحويلها لمسخ من الحضارة الغربية.

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الزركلي: الأعلام 3/29.

[2] عمر كحالة: معجم المؤلفين 4/168.

[3] سمير أحمد الشريف: جذور الهيمنة على الثقافة العربية الإسلامية، مجلة التاريخ العربي، 1/8501.

[4] العفاني: أعلام وأقزام في ميزان الإسلام 1/57.

[5] الطهطاوي: تخليص الإبريز في تلخيص باريز ص168.

[6] المصدر السابق ص119.

[7] المصدر السابق، نفس الصفحة.

[8] العفاني: أعلام وأقزام في ميزان الإسلام 1/58-60.

[9] الطهطاوي: المرشد الأمين ص36، 37.

[10] جب: دراسات في حضارة الإسلام ص320، 321.

[11] الطهطاوي: تخليص الإبريز في تلخيص باريز ص305.

[12] سالم مبارك: اللغة العربية.. التحديات والمواجهة ص28، نقلًا عن محمود محمد شاكر: في الطريق إلى ثقافتنا ص210-213.

المصدر: موقع لواء الشريعة